
أشكال الضحايا حول العالم كثيرة، منهم أناس جرى إخراجهم من تحت أنقاض مبان أسقطها زلزال مدمر، أو ضحايا فيضان أو إعصار،
مختبر الإعلام- فادي الحسني
دعنا نتفق عزيزي القارئ بدايةً، أننا لا نطلق حكماً افتراضياً حول انتهاكات خصوصية الضحايا عبر التغطية الإعلامية للحرب المستمرة، ربما لسنا في حاجةٍ لإجراء دراسة مسحية لإظهار حجم التجاوز الأخلاقي والقانوني الحاصل. بإمكانك الآن أن تجري بحثاً عبر فئة الصور في محرك البحث جوجل مثلاً، عن أطفال "غزة" مثلاً بوصفها منطقة نزاع تشغل العالم الآن: كيف تبدو النتيجة؟
دعك من ذلك، قم بتصفح العديد من وسائل الإعلام المحلية والدولية وعاين عن كثب الصور التي تتصدر عناوين الأخبار المتعلقة بمستجدات الحرب الدائرة في القطاع منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر الماضي، في غالبيتها صور للضحايا عموماً، والأطفال والنساء بوجه خاص.
يتجسد انتهاك الخصوصية أو الخرق القانوني في توثيق الضحايا لحظة وقوع الكوارث أو الأحداث المفجعة، ففي الغالب يركض المصورون خلف الضحية بحثاً عن لقطة أكثر تأثيراً وهذا مفسرٌ أحياناً بأنه عائد للمنافسة بين الزملاء ومن يلتقط صورةً أقوى للحدث. لكن في المقابل، ماذا عن غرف تحرير الصور، وفي أي درجٍ تتكدس رزمة محاذير السياسات التحريرية ومدونات السلوك الأخلاقي واللوائح القانونية التي تؤطر للعمل المهني؟
أشكال الضحايا حول العالم كثيرة، منهم أناس جرى إخراجهم من تحت أنقاض مبان أسقطها زلزال مدمر، أو ضحايا فيضان أو إعصار، أو ناجون على متن مراكب الهجرة، أو مهاجرون ألقت بهم الأمواج جثثاً هامدة على الشواطئ.
كما أن هناك ضحايا مسجون على أسرة المستشفيات بأطراف مبتورة تقطر دماً نتيجة الحرب، وصغاراً يبكون بين الركام، أو قتلى بين الأنقاض أو هياكل عظمية لقبور نبشت، أو نساء ضحايا للعنف الجنسي، وغيرها الكثير.
هذه في مجملها مشاهد قاسية لابد من نقل ظروفها وملابستها ومعاناة ضحاياها ومكلوميها، بوصف الإعلام صوتاً للناس، لكن السؤال: كيف نكون أمناء على نقل المشهد بما لا يتجاوز حدود المهنية؟
القواعد النظرية
بالعودة إلى قواعد عملية الاتصال وفقاً لنظريات الإعلام التقليدية القديمة، فإن شكل الرسالة الإعلامية يأخذ سياقاً متسلسلاً يبدأ بالمرسل والرسالة والمستقبل، ومن ثم رجع الصدى أو الأثر المتحقق من هذه الرسالة.
ولضمان وصول الرسالة الإعلامية للجمهور بالشكل الأمثل، اشترط واضعو النظريات أن يكون هناك ما يعرف بـ"حارس البوابة" وهو المرسل، أي الشخص أو مجموعة الأشخاص الذين يقبلون بتمرير أو رفض الرسالة الموجهة للجمهور، وفقا لمجموعة من "الفلاتر" والمقصود هنا هو السياسة التحريرية ومدونات السلوك الأخلاقي واللوائح القانونية.
وتلك الفلاتر بطبيعة الحال، يجب أن تكون الناظم لعمل هيئات التحرير في مختلف وسائل الإعلام، بما يعزز مهنية نقل الأحداث ويضمن عدم إيقاع أي شكل من أشكال الانتهاكات بحق الضحايا.
وبالتالي، فإن السياسات التحريرية الواضحة والتي تتسم بأعلى معايير الدقة والشفافية والمهنية في النقل هي التي تحفظ للضحايا حقوقهم، هذا في المقام الأول. أما في المقام الثاني: فإن وجود أشخاص أكفاء في هيئات التحرير سواء كانوا مستشاري تحرير أو مستشارين قانونيين، أو محررين يمتلكون ثقافة قانونية واسعة يجنب وسائل الإعلام الوقوع في فخ الانتهاك، لأنهم يعون تماماً ما هي موجبات عدم النشر التي تضمن عدم السقوط في فخ المساءلة القانونية.
وثالثاً، يشكل التزام المصورين الصحفيين بقواعد العمل المهني ومدونات السلوك الأخلاقي والإحاطة الكاملة بالمحاذير القانونية للتغطية الإعلامية، صمام أمان لوسائل الإعلامي بما يضمن عدم المساس بحقوق الضحايا.